ثقافة السينمائي راول بيك يحيي ذاكرة المصوّر الفوتوغرافي ارنست كول.. بقلم طاهر الشيخاوي
بقلم طاهر الشيخاوي
راول بيك سينمائي هايتي مشهور وشخصية سياسية وثقافية معروفة، تحمّل سابقا مسؤولية وزارة الثقافة في بلاده في حكومة رسني سمارت (لمدّة لم تتجاوز سنة ونصف) وعُيّن بعدها رئيسا للمدرسة القومية العليا لمهن الصورة والصوت (الفيميس) بباريس. أنجز أكثر من عشرة أفلام طويلة، متوسطة وقصيرة، نذكر منها "لومنبا" (2000) ومؤخرا "الشاب ماركس" (2017). أفلام لقيت قبولا حسنا وعُرضت في أهم المهرجانات العالمية وتحصلت على العديد من الجوائز.
قدِم لمهرجان كان في دورته الـ77 بشريط وثائقي لافت "ارنست كول، مصوّر فوتوغرافي"، عُرض في قسم "حصص خاصّة" وتحصّل على جائزة "العين الذهبية" بالتساوي مع "رفعت عيني للسما". طبعا، الفصل بين الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي مبالغ فيه. ففي تلك الحالتين يبقى العمل سينمائيا. ولكن حتى إذا سلمنا بهذه المعايير، يمكن الجزم أنّ "ارنست كول، مصوّر فوتوغرافي" يوثّق فعلا لموضوعه وبصورة (وبالصورة التي) لا تترك مجالا للنقاش.
بعد شريط راول بيك، ترسخ صورة ارنست كول في ذهن المشاهد ولن تنمحي أبدا. لأنّ الشخصية موضوع الشريط غير عادية ولأنّ تصويرها ثابت، ارتقى إلى مستوى أهميتها، في تطابق مدهش بين الشكل والمحتوى. وهو سر الإخراج السينمائي. وهنا تكمن مهارة راول بيك بل قناعاته.
ارنست كول ولد سنة 1940 في افريقيا الجنوبية تحت نظام الميز العنصري وأجبر على الهجرة سنة 1966 لما اقتنع بأنه لم يعد قادرا على مواصلة عمله. تحوّل إلى نيو يورك حيث واصل اشتغاله بالصورة لكنه سرعان ما خاب ظنه لما اكتشف أنّ ما تركه وراءه وجده أمامه وأنّ التمييز العنصري ليس حكرا على إفريقيا الجنوبية. من هنا ساءت أحواله إلى درجة أنه فقد كل شيء وأنهى حياته في فقيرا تائها.
الشريط يروي كلّ ذلك في مسعى لإعلاء صورة الرجل في حوار شيق مع المخرج الذي لم يلتق أبدا بمخاطبه والأطرف أنّ ضمير الراوي يختلط بضمير الغائب في لبس متعمد، أعاد رمزيا ارنست كول إلى الحياة. لنظف إلى ذلك أن عددا كبيرا من الأشرطة تم العثور عليها في بنك سويدي لا أحد يدري من وضعها هناك.
ينطلق شريط راول بيك من صور ثابتة ومغمورة وهي في الحقيقة حيّة وبليغة لاعادة إحيائها من جديد والتأكيد على بلاغتها بفعل السينما. فعل سينمائي، فعل سياسي ممتاز.